الأحد، حزيران ١٠، ٢٠٠٧


مع المفكر محمد شحرور
حوار: أُبيّ حسن- دمشق
الدكتور محمد شحرور مفكر سوري عُرف بقراءاته الخاصة والمعاصرة للنص، وهي قراءات مغايرة للشائع والمألوف والمكرس في العقول منذ قرون.
بدأ مشروعه الفكري يرى النور منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي. يقول في غير مكان أن هزيمة حزيران (الشهيرة) هي التي دفعته إلى هذا المنحى من التفكير الذي أوجد له الكثير من الخصوم في العالمين العربي والإسلامي، كما أوجد له الكثير من المؤيدين والمشجعين من مختلف التيارات بما فيها جزء من التيار الإسلامي المنفتح. وإن كان هذا المشجع أو ذاك المعجب لايوافقه على طروحاته إلا أنه لا يستطيع إلا أن يحترم جهده ومثابرته. فقد صدر له أربعة كتب والخامس مايزال مخطوطاً بعنوان "الإسلام وأصول الحكم" الذي يذكرنا بالكتاب الشهير لعلي عبد الرازق في مصر قبل ثمانين عاماً.
أثار كتابه الأول (الكتاب والقرآن) عواصف وزوابع تمخض عنها ثلاثة عشر كتاباً نقدياً ، وآلاف المقالات، بعضها كفّره وأخرجه عن دينه، ومنهم من شبهه بسلمان رشدي. وهذا كله لم يثنه عن عزمه في متابعة مشروعه الذي لفت انتباه الكثيرين في معظم أنحاء العالم. ترجمت كتبه إلى اللغات الانكليزية والروسية والأندونيسية، فضلاً عن أن بريجيسنكي (مستشار الأمن القومي الأسبق في الولايات المتحدة الأمريكية) استشهد في كتابه الأخير"الاختيار: السيطرة على العالم أم قيادة العالم" بكتاب د. شحرور (الكتاب والقرآن)، مستغرباً كيف لم تول الحكومات الأمريكية المتتالية النظر لأمثال هؤلاء المفكرين العقلانيين.
في هذا الحوار معه نتطرق إلى بعض ماورد في كتبه من أفكار ورؤى، كما نتطرق إلى مواضيع راهنة من حيث واقعيتها والتي ربما ما تزال ماثلة أمام العقل العربي منذ ألف عام، منها على سبيل المثال لا الحصر، المأزق الذي يعيشه الفكر الإسلامي منذ قرون، ومدى إمكانية تعايش الإسلام مع العلمنة، ومدى حاجته لها كي يستطيع الانفتاح
على العصر.
في مكتبه الهندسي المتواضع وسط دمشق كان الحوار الآتي:
*قال تعالى في سورة البقرة: "وعلّم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال انبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين" 31- البقرة. في تفسيرك للآية تقول (عرضهم) هي للدلالة على أن السمات للمشخصات حصراً، إذ هي تعود للمسميات لا للأسماء. انطلاقا من رأيك قد يتساءل البعض:أما كان يجب استخدام (عرضها) بدلاً من (عرضهم) وهي المفترض أن تكون هنا للعقلاء، وليس لكل المشخصات ؟ هذا فضلا عن وجود الميم في (عرضهم) وهي علامة جمع الذكور للعقلاء.
**لو كان يقصد الأسماء، لقال: وعلّم آدم الأسماء كلها ثم عرضها. هذا لو كان يقصد الأسماء، لكنه يقصد المسميات، وهو عرض المسميات. ماذا يعني هذا.؟ يعني أنه عندما بدأ بتعليم اللغة لآدم بدأ بالمشخص إذ لا يوجد مجردات، بافتراض أن المجردات لا تُعرض مثل: التوبة، المغفرة، العشق….الخ .
إذاً علينا أن ننتبه إلى دقة الخالق عندما قال (ثم عرضهم). ماذا عرض.؟ بالتأكيد عرض المسميات كلها، وهذه الـ (كلها) تعني كل ما هو موجود حول آدم. النبأ أصله الصوت، إذ يقول اللسان العربي: سمعت النبأ. أي سمعت الصوت. ولهذا قال لآدم: أنبئهم بأسمائهم، ولم يقل له: أنبئهم أسماءهم. أي أن السمة التابعة للشيء هي النبأ نفسه
.......
لقراءة بقية الحوار زر الرابط التالي: سورية إلى أين؟؟

الاثنين، نيسان ٢٣، ٢٠٠٧


انتظرونا...

الخميس، آذار ٣٠، ٢٠٠٦



هل الكتاب الذي أوحي إلى محمد صلى الله عليه وسلم والذي يحتوي على رسالته ونبوته هو من التراث أم لا يدخل في التراث؟
للإجابة على هذا السؤال لا بد أن نفترض أحد الفرضين التاليين وهما:
1- أن ما يسمى بالكتاب والموجود بين دفتي المصحف هو من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم.
2- أن ما يسمى بالكتاب والموجود بين دفتي المصحف موحى من الله سبحانه وتعالى بالنص والمحتوى، وأن الفصول فيه تسمى سوراً، وأن السور مؤلفة من مقاطع كل واحد منها يسمى آية.
فإذا أخذنا الاحتمال الأول، فهذا يعني أن الكتاب هو من التراث لأن محمداً صلى الله عليه وسلم هو من الناس، والناس هم الذين يصنعون التراث، ففي هذه الحالة يمكن أن يصنف محمد صلى الله عليه وسلم مع العظماء العباقرة لا مع الأنبياء والرسل،
وهذا ما فعله بالضبط أحد الكتاب الأمريكيين (مايكل هارت) إذ صنف محمداً صلى الله عليه وسلم أول عظيم في التاريخ، وانطلت هذه الخدعة على كثير من المسلمين أنفسهم. فإذا كان الكتاب هو من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم فيجب أن يحتوي على الخاصة التالية:
إن أي إنسان عظيم هو من نتاج عصره لا يخرج عن ذلك أبداً، فإذا كان الكتاب من صنع محمد صلى الله عليه وسلم فهو بالتالي غير صالح لكل زمان ومكان، وإنما هو وليد الظروف الموضوعية، حقق قفزة نوعية، فصلح للقرن السابع في شبه جزيرة العرب، ولعدة قرون تلته، ولكنه غير صالح للقرن العشرين لأن الإنسان مهما بلغ من العبقرية فإنه يحمل طابع النسبية الزماني والمكاني.
وهذا ما يقوله أعداء الإسلام عن الكتاب، وقد ساعدهم على هذا القول لسان حال المسلمين السلفيين أنفسهم، إذ حجروا الإسلام وفق نمط واحد في قولهم إن الإسلام هو وفق نمط القرن الأول الهجري "صدر الإسلام" وهم يقولون في الوقت نفسه إن الإسلام صلاح لكل زمان ومكان، ومن ها هنا وقعوا في معضلة غير قابلة للحل.
وإن كان هذا الكتاب موحى من الله سبحانه وتعالى إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وهو في الوقت نفسه خاتم الكتب، وإن محمداً صلى الله عليه وسلم فيجب أن يحتوي هذا الكتاب على الخواص التالية:
أ- إن الله سبحانه وتعالى مطلق وكامل المعرفة ولا يتصف بطابع النسبية وبالتالي فإن كتابه يحمل الطابع المطلق في المحتوى.
ب- بما أن الله سبحانه وتعالى ليس بحاجة إلى أن يعلم نفسه أو يهدي نفسه وإنما جاء هذا الكتاب هداية للناس وآخر الكتب فوجب أيضاً أن يحمل طابع النسبية في الفهم الإنساني له.
ج- بما أن نمط التفكير الإنساني لا يمكن أن يتم بدون لغة، فيجب أن يصاغ الكتاب بلغة إنسانية أولاً، وثانياً أن تكون هذه الصياغة لها طابع خاص وهو أنها تحتوي المطلق الإلهي في المحتوى والنسبية الإنسانية في فهم هذا المحتوى، وهذا ما نعبر عنه بثبات الصيغة اللغوية "النص" وحركة المحتوى، ففي هذه الحالة يمكن أن نقول: إن ذا من الله سبحانه وتعالى لأن الإنسان عاجز عن تحقيق هذه الشروط.
فإذا كان هذا الكتاب يحتوي على هذه الخاصية، فعند ذلك تعطى آياته طابع القدسية أو النص المقدس الذي لا يمس ولا يحرف، وإنما يجري تأويله على مر العصور والدهور، وفي هذه الحالة فقط لا يعتبر الكتاب تراثاً، وإنما التراث هو الفهم النسبي للناس له في عصر من العصور، حتى ولو جاء هذا الفهم من عهد صدر الإسلام.
أي أن ما حدث في القرن السابع في شبه جزيرة العرب هو تفاعل الناس في ذاك الزمان والمكان مع الكتاب، وهذا التفاعل هو الاحتمال الأول للإسلام (الثمرة الأولى)، وليس الوحيد وليس الأخير، وقد كان هذا التفاعل إنسانياً في محتواه (إسلامياً) قومياً في مظهره. وفي هذه الحالة يدخل هذا التفاعل ضمن التراث ما عدا العبادات والأخلاق والحدود "الصراط المستقيم" حيث إنها ليست تفاعلاً مع العصر، وقد عبر عن الأخلاق والحدود بمظاهر العصر.
أما اللباس والطعام والشراب وأساليب الحكم ونمط الحياة فهي تفاعل مع الشروط الموضوعية، وقد قام النبي صلى الله عليه وسلم بهذا التفاعل الأول، وكان لنا الأسوة الحسنة.
لقد أجرينا مسحاً شاملاً للكتاب الموحى، فتبين لنا أنه يحوي على الخاصية المذكورة أعلاه، والتي لا يستطيع إنسان أن يقوم بها، ووجدنا هذه الخاصية في الآيات المتشابهات، وبالتالي وجدنا أن هناك ثلاثة أنواع من الآيات في الكتاب.
ولم نستطع أن نقوم بهذا التصنيف إلا بعد أن تم تحديد الفرق بين النبوة والرسالة.
فالنبوة هي مجموعة من المعلومات أوحيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبها سمي نبياً، أي أن كل الأخبار والمعلومات التي جاءت إلى النبي بالإضافة إلى المعلومات فأصبح بها رسولاً، فالنبوة علوم والرسالة أحكام. أي نظرية الوجود الكوني والإنساني وتفسير التاريخ هي من النبوة، وهي من الآيات المتشابهات، أما التشريع مع إرث وعبادات، ومعها الفرقان العام "الأخلاق" والمعاملات والأحوال الشخصية والمحرمات فهي الرسالة أي الآيات المحكمات.
وهناك نوع ثالث من الآيات وهو الآيات الشارحة لمحتوى الكتاب، فهي لا محكمة ولا متشابهة، ولكنها من النبوة حيث تحتوي على معلومات،
لذا فإن الكتاب من حيث الآيات ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
1- الآيات المحكمات وهي التي تمثل رسالة النبي صلى الله عليه وسلم وقد أطلق الكتاب عليها مصطلح "أم الكتاب"، وهي قابلة للاجتهاد حسب الظروف الاجتماعية والاقتصادية ما عدا العبادات والأخلاق والحدود.
2- الآيات المتشابهات وقد أطلق عليها الكتاب مصطلح "القرآن والسبع المثاني" وهي القابلة للتأويل وتخضع للمعرفة النسبية وهي آيات العقيدة.
3- آيات لا محكمات ولا متشابهات وقد أطلق عليها الكتاب مصطلح "تفصيل الكتاب".ونحن نرى أن التحدّي للناس جميعاً بالإعجاز إنما وقع في الآيات المتشابهات "القرآن والسبع المثاني"، وفي الآيات غير المحكمات وغير المتشابهات "تفصيل الكتاب" حيث أن هذين البندين يشكلان نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.

______________________________________________
(مقتطفات من كتب د/ محمد شحرور:من كتاب "الكتاب والقرآن قراءة معاصرة")
__________________________________________

السبت، آذار ١١، ٢٠٠٦



ماذا نفعل بكتب التراث من فقه وتفاسير، التي يطبع منها كل عام آلاف النسخ، وتدرس على أنها الإسلام؟
هنا قد يسأل سائل: ماذا نفعل بكتب التراث من فقه وتفاسير، التي يطبع منها كل عام آلاف النسخ، وتدرس على أنها الإسلام؟ الجواب على هذا السؤال الصعب جداً هو أنني لم أستطع أن أقدم هذا الكتاب، وأصل إلى النتائج المطروحة للقارئ، إلا بعد أن تم حل هذه المعضلة مع التأكيد على أنني عربي مؤمن مسلم.
التراث والمعاصرة والأصالة:علينا أن نميز بين المصطلحات الثلاثة الواردة أعلاه، بوضع تعريف لكل منها:
التراث: هو النتاج المادي والفكري الذي تركه السلف للخلف، والذي يؤدي دوراً أساسياً في تكوين شخصية الخلف، في عقله الباطن (نمط التفكير) وسلوكه الظاهر. هكذا يفهم التراث على أنه من صنع الإنسان ونتاج النشاط الإنساني الواعي، في مراحل تاريخية متعاقبة.
المعاصرة: هي تفاعل الإنسان المعاصر مع النتاج المادي والفكري، الذي هو أيضاً من نتاج الإنسان، فبهذا المعنى يكون التراث والمعاصرة مفهومين متداخلين، تفصل بينهما لحظة الآن المتحركة باستمرار، وعليه إذا صدر مقال في صحيفة، منذ عشر سنوات، فإنه قد يدخل في مفهوم التراث. وليس للناس خيار في الانتماء إلى تراثهم، ولكن لهم الخيار في انتقاء معاصرتهم من التراث ومن منجزات عصرهم، لأن الحدث الإنساني الواعي يدخل في عالم الممكنات قبل وقوعه (بحيث يمكن حدوثه أو عدم حدوثه)، وبعد وقوعه يصبح حقيقة لا رجعة فيها. فنحن العرب المسلمين لا خيار لنا في تراثنا، أي إننا لا نستطيع أن نضع تراثاً غير التراث الذي حصل فعلاً، وورثناه، ولكننا نستطيع أن نختار بأنفسنا منه ما يلزم حاضرنا ومستقبلنا، ونحن أيضاً بهذا الاختيار نصنع تراثاً لأجيالنا المقبلة.
إن القرآن الكريم قد نهانا عن أن نقف من التراث موقف الانصياع الأعمى والتقديس (ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين) (المؤمنون 24) (بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمةٍ وإنا على آثارهم مهتدون) (الزخرف 22) هذا الموقف يدعو إلى أن نحترم تراثنا لا أن نقدسه. إن الذين صنعوا التراث العربي الإسلامي هم من الناس ونحن من الناس أيضاً، ومعروف قول أبي حنيفة النعمان "هم رجال ونحن رجال"، وقد آن لنا أن نصنع تراثاً لأجيالنا القادمة بملء إرادتنا وبدون حرج، وهذه هي عين المعاصرة.
الأصالة: للأصالة عنصران متتامان، يفهم كل واحد منهما حسب الموضوع المطروح تحت عنوان الأصالة.
فإذا قلنا: إن اللسان العربي لسان أصيل، فهذا يعني أنه لسان له جذور غارقة في القدم، وهذا هو العنصر الأول،
وأنه ما زال حياً مثمراً إلى يومنا هذا، وهذا هو العنصر الثاني.
وهذا المعنى أخذناه من قوله تعالى (ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء * تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها) (إبراهيم 24-25)، فجذر الشجرة وأغصانها هما العنصران المتتامان: الجذور تضرب في الأرض والأغصان تعطي الثمار.
وفي هذا المجال نقول: لقد قام العالم مندليف ببحث أصيل في الكيمياء

، حيث وضع جدول العناصر في الطبيعة، وقولنا (بحث أصيل) هنا بمعنى أنه بحث فيه إبداع وابتكار لم يسبقه إليه أحد.
ولكن هذا البحث لم يأت من فراغ، بل اعتمد على تراكمات سابقة في المعرفة الكيميائية (الجذور).فإذا أردنا أن نكون أصيلين في المعرفة فعلينا أن نستفيد من كل تراكمات المعرفة التي أنتجها الانسان، ومن ضمنها التراث في كل العلوم، (الجذور) وهي العنصر الأول للأصالة بحيث نحقق قفزة نوعية (الثمار) وهي العنصر الثاني للأصالة. وهذا ما نسميه بالحضارة الحية، فالحضارة الحية كالشجرة الحية، لها جذور وتعطي ثماراً ينتفع بها الناس، وليس في موسم واحد فقط بل في مواسم متتابعة.إذا نظرنا إلى الحضارة العربية الإسلامية في الوقت الحاضر، نرى فيها عنصر الجذور متوفراً، ولكن لا يوجد ثمار لأنها جفت ونضبت.
فنحن الآن مستهلكون للسلع والأفكار، حتى إن أفكار التراث استلكت ونضبت، ووصلنا في طرحنا لأفكار التراث إلى حد السذاجة في بعض الأحيان. وفي هذا المقام يجب علينا أن نميز بين مصطلحين يقع الالتباس بينهما وهما الأصالة والسلفية، فالأصالة لها مفهوم إيجابي حي، أما السلفية فهي عكس ذلك تماماً، السلفية، فالأصالة لها مفهوم إيجابي حي، أما السلفية فهي عكس ذلك تماماً، السلفية كما نفهمها هي دعوة إلى اتباع خطي السلف بغض النظر عن مفهوم الزمان والمكان ، أي أن هناك فترة تاريخية مزدهرة مرت على العرب استطاعوا فيها حل مشاكلهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، واستطاعوا أن يبنوا دولة قوية منيعة، استطاعت تحقيق العدالة بمفهومها النسبي التاريخي، وبالتالي فإن هؤلاء السلف هم النموذج، ويجب علينا أن نتبع خطاهم ونقلدهم ولا نخرج عن نمطهم.
فالسلفي هو إنسان مقلد، إضافةً إلى أنه قد أهمل الزمان والمكان واغتال التاريخ وأسقط العقل. ويعيش السلفي في القرن العشرين مقلداً القرن السابع، والتقليد مستحيل لأن ظروف القرن السابع تختلف عن ظروف القرن العشرين، فمهما حاولنا الرجوع إلى القرن السابع لا يمكننا أن نفهمه كما فهمه أهله الذين عاشوه فعلاً، لأننا نرجع إليه من خلال نص تاريخي فقط. ولهذا السبب وقع السلفي في فراغ فكري وصل إلى حد السذاجة، فقد ترك القرن العشرين عمداً ليعجز في الوقت نفسه عن أن يعيش القرن السابع كما عاشه أهله، فوقع في شرك الغراب الذي أراد أن يقلد صوت البلبل فلم يستطع، ثم أراد أن يرجع غراباً فنسي، فبقي في حالة عدم التعيين، فلا هو غراب ولا هو بلبل.
وهذا هو حال السلفيين، إن السلفية هروب مقنع من مواجهة تحديات القرن العشرين، وهزيمة نكراء أمام هذه التحديات، وهي البحث عن الذات في فراغ وليس في أرض الواقع. هذا فيما يتعلق بالسلفية الإسلامية، ولكن هناك نوعاً آخر من السلفية نراه عند تيارات أخرى تطرح حلولاً نظرية تعمل في فراغ وفق نموذج متحجر طرح في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، واعتبرته مقدساً فلا خروج منه، إنها تيارات سلفية أخرى لا تعيش زمانها ولا تتفاعل معه، وقد أثبتت الأحداث فشل هذا النموذج، وبالتالي لم يكتب لها النجاح ولم تستطع تقديم حلول لمشاكل مجتمعها المعاصرة والملحة.
(مقتطفات من كتب د/ محمد شحرور:من كتاب "الكتاب والقرآن قراءة معاصرة")
الحلقة الـــتاليـة : هل الكتاب الذي أوحي إلى محمد صلى الله عليه وسلم والذي يحتوي على رسالته ونبوته هو من التراث أم لا يدخل في التراث؟

الخميس، آذار ٠٩، ٢٠٠٦








المشاكل الأساسية في العقل العربي الاسلامي المعاصر


إن الفكر العربي المعاصر ومن ضمنه الفكر الإسلامي يعاني من المشاكل الأساسية التالية:


1-عدم التقيد بمنهج البحث العلمي الموضوعي في كثير من الأحيان، وعدم تطبيق الكتاب المسلمين لهذا المنهج على النص القدسي الديني المتمثل بآيات الكتاب الموحى إلى محمد صلى الله عليه وسلم. حيث إن أول شرط من شروط البحث العلمي الموضوعي هو دراسة النص بلا عواطف جياشة، من شأنها أن توقع الدارس في الوهم، وخصوصاً إذا كان موضوع الدراسة نصاً دينياً أو نحو ذلك.



2- إصدار حكم مسبق على مشكلة ما قبل البحث في هذه المشكلة، وخير مثال على ذلك "المرأة في الإسلام" إذ نرى الباحث الإسلامي مقتنعاً مسبقاً وقبل البحث أن وضع المرأة في الإسلام وضع سليم وأن الإسلام أنصفها، فيكتب كتاباً في ذلك ويقول إنه بحث علمي. وكل ما فعله أنه أوجد التبريرات لوجهة نظره المسبقة، ونرى الباحث المعادي للإسلام مقتنعاً مسبقاً أن الإسلام ظلم المرأة، ويقدم بحثاً عن ذلك ويقول إنه بحث علمي. وكلاهما وقع في الخطأ نفسه، إذ إن أي مشكلة تتطلب بحثاً علمياً موضوعياً، تعني أن الباحث نفسه غير متأكد من النتائج، أو لا يعرف النتائج أصلاً وبالتالي أجرى بحثاً علمياً ليتأكد أو ليعرف النتائج، وهذا ما قمنا به فعلاً في الكتاب، ومن ضمنه بحث الإسلام والمرأة، فعندما بدأنا بهذا البحث قلنا إننا لا نعرف شيئاً إطلاقاً عن موقف الإسلام من المرأة. فجمعنا آيات الكتاب المتعلقة بالمرأة، ودرسناها لنعرف ما هو وضع المرأة في الإسلام، وخلصنا إلى نتائج لم نجدها في كتب التفسير، ولا في كتب الفقه، وتبين لنا أن المرأة لها وضعان: وضع في الكتاب، أي في النص المقدس، ووضع في الفقه الإسلامي الذي يحمل صفة التطور التاريخي (النسبية الزمانية والمكانية).



3- عدم الاستفادة من الفلسفات الإنسانية، وعدم التفاعل الأصيل المبدع معها، حيث لا يمكن أن نضع كل ما أنتجه الفكر الإنساني، منذ اليونان إلى يومنا هذا، في هامش الخطأ أو الباطل، فإذا قلنا: إن كل ما طرحه الفكر الإنساني شيء والإسلام شيء آخر، أي كل ما خطر في بالك فالإسلام غير ذلك، ينتج لدينا سؤال لا يمكن الإجابة عليه وهو (ما هو الإسلام)؟ فضمن هذا المنطق لم يتم تعريف الإسلام إلى اليوم. أما إذا قلنا: إن ما طرحه الفكر الإنساني فيه غث وفيه ثمين، وفيه حق وفيه باطل، وفيه خطأ وفيه صواب، فهذا يعني أننا نحن المسلمين قادرون على أن نتفاعل إيجابياً مع الفكر الإنساني كله، دون خوف، أو وجل، ولكن حتى يتم هذا التفاعل الإيجابي يجب علينا نحن العرب والمسلمين أن نمتلك ميزاناً مرناً، نستطيع أن نتفاعل به مع الآخرين، دون خوف، وهذا الميزان غير موجود عندنا في الوقت الحاضر، وهذا يقودنا إلى النقطة الرابعة.



4- عدم وجود نظرية إسلامية في المعرفة الإنسانية، مصاغة صياغة حديثة معاصرة، ومستنبطة حصراً، من القرآن الكريم، لتعطينا ما يسمى (إسلامية المعرفة) بحيث تعطي هذه النظرية منهجاً في التفكير العلمي لكل مسلم، وتمنحه ثقة بالنفس وجرأة على التعامل والتفاعل مع أي نتاج فكري أنتجه الإنسان، بغض النظر عن عقيدته. إن غياب هذه النظرية، المصاغة صياغة معاصرة، أدى بالمسلمين إلى التفكك الفكري، والتعصب المذهبي، واللجوء إلى مواقف فكرية أو سياسية تراثية، مضى عليها مئات السنين، تقوم على كيل الاتهامات بالكفر والإلحاد والزندقة والهرطقة والمعتزلية والجبرية والقدرية لهؤلاء وهؤلاء، كل هذا بهدف الخروج من مأزق فكري، يقع فيه المسلم في مواجهة الفكر المعاصر، علماً بأنه ليس كل فكر أنتجه الإنسان هو عدو للإسلام بالضرورة.


ولكن غياب المنهج المعرفية، الذي يمكن أن يواجه كل غث، ويحتوي على كل ثمين، هو الذي يؤدي بالضرورة إلى مواقف التشنج والسذاجة وضيق الأفق. لذا فإننا في كتابنا هذا أفردنا بحثاً خاصاً لمشكلة المعرفة الإنسانية
"جدل الإنسان"، لأن مشكلة الفلسفة الكبرى هي تحديد العلاقة بين الوجود في الأعيان، وصور الموجودات في الأذهان. ولدى الخوض في هذه المشكلة وجب علينا بالضرورة أن نقف على الأرضية العلمية للقرن العشرين، لذا فإنه ليس من العبث تسمية الفلسفة بأم العلوم قاطبة.



5- إن المسلمين في العصر الحاضر يعيشون
أزمة فقهية حادة، وثمة صيحات صادقة تقول: إننا بحاجة إلى فقه جديد معاصر، وبحاجة إلى فهم معاصر للسنة النبوية، وقد تم تشخيص هذه المشكلة، ولكن دون وضع حل لها. فإذا أردنا أ، نخترق الفقه الإسلامي الموروث "الفقهاء الخمسة" وجب علينا إعطاء البديل، وهذا ما فعلناه في هذا الكتاب حيث طرحنا منهجاً جديداً في الفقه الإسلامي، وطبقناه على أحكام المرأة فنتجت لدينا أحكام لم تكن عند الفقهاء كلهم.

ولكننا لم نستطع القيام بهذا العمل إلا بعد صياغة نظرية أصيلة في المعرفة الإنسانية
"جدل الإنسان"، منطلقة من القرآن الكريم، إذ إن المنطلق الفلسفي ينتج عنه بالضرورة الحل الفقهي.

(مقتطفات من كتب د/ محمد شحرور:من كتاب "الكتاب والقرآن قراءة معاصرة")


الحــــــلقة التالية:

ماذا نفعل بكتب التراث من فقه وتفاسير، التي يطبع منها كل عام آلاف النسخ، وتدرس على أنها الإسلام؟

الأربعاء، آذار ٠٨، ٢٠٠٦


مقتطفات من كتب د/ محمد شحرور:
مالفرق بين صورتك في المرآة وشكلك الحقيقي؟
لو رسم انسان ما صورةً لوجه انسان، ورسم له عيناً واحدة فقط، فإن أول امرئ ينظر إلى هذه الصورة سيلاحظ بسرعة، الخطأ في الرسم، ولن يتريث قبل أن يقول: تنقصها عين!!!.
ولكنه لو رسم لوجه من مرآة (أي رسم الوجه معكوساً) وقدمها إلى الناس فإنه قد يراها ملايين الناس لمدة طويلة من السنين دون أن يلاحظوا أنها معكوسة.
ومثل هذا حصل لأهل الأرض عبر مئات السنين عندما كانوا يعتقدون أن الشمس تدور حول الأرض، ولكنهم كانوا عاجزين عن تفسير بعض الظواهر انطلاقاً من مسلمتهم هذه، حتى جاء شخص واحد، بشر منهم ومثلهم، وقال: إن العكس هو الصحيح وأن الأرض هي التي تدور حول الشمس.من هذه الحقيقة التاريخية التي حصلت فعلاً تبيّن لي بعد ربع قرن من البحث الدؤوب والتفكر الطويل والتأمل الواعي أننا نحن المسلمين مأسورون لمسلمات قد يكون بعضها معكوساً تماماً، وسأمثل لها في الصفحات القريبة الآتية.بيد أني أستميح القارئ الكريم عذراً لأني سأطلب إليه التريث في الحكم عليَّ قبل أن يمضي معي في رحلة هذا الكتاب، وألا يتسرع-بحكم بعض مسلماته الموروثة، التي سأثبت له بالبرهان أنها معكوسة-إلى نبذ كتابي قبل الصبر على صحبته، لأنه سيجد فيه احتراماً شديداً وإكباراً عظيماً لفكرة وعقله وإن فقد في كتابنا هذا الاحترام والإكبار نفسيهما لعواطفه.
ومن ها هنا نستعين بالله تعالى ونقول:لقد دخل العقد الثاني من القرن الخامس عشر الهجري والعقد الأخير من القرن العشرين الميلادي، والأدبيات الإسلامية منذ مطلع القرن العشرين تطرح الإسلام عقيدة وسلوكاً دون أن تدخل في العمق الفلسفي للعقيدة الإسلامية.
ولقد انطلقت من أطروحات، عدتها من مسلمات العقيدة الإسلامية وهي لا تدري أن هذه المسلمات بحاجة إلى إعادة نظر، فدارت هذه الأدبيات نفي حلقة مفرغة، ولم تصل إلى حل المعضلات الأساسية للفكر الإسلامي (التقليدي)، مثل أطروحة القضاء والقدر والحرية، ومشكلة المعرفة، ونظرية الدولة، والمجتمع والاقتصاد والديمقراطية، وتفسير التاريخ، بحيث ينتج عن ذلك فكر إسلامي معاصر يحمل كل مقومات المعاصرة شكلاً ومضموناً دون الخروج عن المقومات الأساسية للعقيدة الإسلامية في أبسط أشكالها وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.
الحلقة التالية : المشاكل الأساسية في العقل العربي الاسلامي المعاصر!!!

السيـــــــرة الذاتيـــــــة



الاسم : محمد شحرور
اسم الأب : ديب.
تاريخ و مكان الميلاد : دمشق - 1938 ميلادي.
متزوج وله أربع ذكور وبنت واحدة.


حصل على شهادة التعليم الابتدائي في دمشق عام 1949 .
حصل على شهادة التعليم الإعدادي في دمشق عام 1953.
حصل على شهادة التعليم الثانوي في دمشق عام 1957.
سافر إلى الإتحاد السوفييتي ببعثة دراسية في 1958 لدراسة الهندسة المدنية
درس اللغة الروسية في العام الدراسي 1958 - 1959
التحق بمعهد الهندسة المدنية في موسكو عام 1959 و تخرج بدرجة دبلوم في الهندسة المدنية في عام1964

عيّن معيدا في كلية الهندسة المدنية – جامعة دمشق عام 1965 حتى عام 1968 .
أوفد إلى جامعة دبلن بأيرلندا عام 1968 للحصول على شهادتي الماجستير والدكتوراه في الهندسة المدنية،

اختصاص ميكانيك تربة و أساسات ( Soil mechanics and founationengineering ) .
حصل على شهادة الماجستير عام 1969 .
حصل على شهادة الدكتوراه عام 1972 .
عين مدرسا في كلية الهندسة المدنية، جامعة دمشق عام 1972 لمادة ميكانيك التربة ، ثم أستاذا مساعدا،

وما زال إلى الآن يمارس التدريس في جامعة دمشق لمادة الأنفاق والمنشآت الأرضية وميكانيك التربة.
افتتح مكتبا هندسيا خاصا لممارسة المهنة كاستشاري منذ عام 1973 ، وما زال يمارس الاستشارات

الهندسية في مكتبه الخاص في حقل ميكانيك التربة والأساسات إلى اليوم . وقدم وشارك في استشارات فنية

لكثير من المنشآت الهامة في سوريا .
له عدة كتب في مجال اختصاصه تعتبر مراجع هامة لميكانيك التربة والأساسات.
بدأ في دراسة التنزيل الحكيم وهو في ايرلندا بعد حرب 1967 وذلك في عام 1970 ، وقد ساعده المنطق

الرياضي على هذه الدراسة واستمرت دراسته للتنزيل الحكيم حتى عام 1990 .



مؤلفــــــات الدكتــــــور


1. ( الكتاب والقرآن – قراءة معاصرة ) عام 1990


2. ( الدولة والمجتمع ) عام 1994


3. ( الإسلام والإيمان – منظومة القيم ) 1996 .


4. ( نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي - فقه المرأة – الوصية – الإرث – القوامة – التعددية – اللباس ) عام